سعدي الحلي

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

سعدي جابر حمزة الشمري والملقب بسعدي الحلي أو أبو خالد (1922 - 2005) من الفنانين الاكثر شعبية في العراق منذ بداياته في منتصف السبعينيات استطاع ان يخط له مدرسة غنائية فريدة وبمساعدة صوته الكونكريتي الذي اطرب و يطرب معجبيه الجدد والقدامى . سعدي الحلي صوت انسل من بابل فحمل معه بوح الفرات كان وريث غناء جلجامش وهو ينوح على انكيدو . لم يتعرض مطرب الى ظلم اجتماعي كما تعرض له هذا الانسان حتى اوصلته الى شهرة لم تتأت لاشهر رئيس دولة عربي . كل الزعامات كانت تغار من شهرة السعدي الحلي لكنه تركها خلفه وهو يعدو خلف صوته الذي ابقاه نشيدا حزينا يتغنى بصوت العراق . سعدي كان ولا يزال اسطورة غير مألوفة في الغناء العراقي , في حين الكثير من مستمعيه و معجبيه يتنكرون له لا يزال متربع في شعبيته الفريدة . كل ذلك من الصيت و الاشاعات (اساطير الواط) التي نسجت حوله , و لحد الان ليس هناك من جواب حاسم لو خبر اكيد على ان مطربنا الراحل كان يمارس هذه الفعاليات .

سعدي الحلي شخصان في الذاكرة العراقية وليس شخصا واحدا كما هو الحال في بني البشر ، شخص رمز بدرجة كبيرة ليأخذ دلالات السلب التي شاعت طيلة عقدين من تأريخ العراق الثمانيني والتسعيني فهو جحا العراق المعاصر لكنه بحمولة أخلاقية مختلفة إذ حاولت الذاكرة الحربية ان تفرغ مكبوتها الجنسي والديني عبر هذا الشخص او الشخصية من جهة وتفرغ مكبوتها السياسي من جهة اخرى . لم يكن صوت سعدي تقليديا فهو ببحته المتميزة استطاع ان يتغلغل في وجدان المستمع ، وباختياراته بما يغنيه .

يا مدلوله , عشك اخضر , ليلة و يوم و يا وليدي وغيرها من اغاني انطبعت في ذاكرة معجبيه و امتزجت بذكرياتهم الجميلة و المحزنة ربما . تركها لنا الحلي بعد حياة اثمرت مسيرة فنية صاحبتها سمعة مذمومة و للاسف , و اصبحت لاحقأ مصدرأ لا ينتهي للنكات و الطرائف في مرحلة كانت كل المواضيع مقموعة على العراقيين في سنوات الظلام الصدامية , فكانت فسحة مفتوحة ان تنكت على فناننا المتوفى و هي نتيجة طبيعية لكل الفنانين والمبدعين الذي التزموا الحياد و لم ينخرطوا في قنوات النظام البائد و دعايته الاحادية . انسان بسيط شق طريقة الوعر بعصامية و كفاح سنين ليثبت في ذاكرة العراقيين الذي لن ينسو اغانية و نكاته التي اطلقوها علية ليس كناية به ولكن محبة و مشاكسة للنظام القذر الذي ضيق فسحة الحلم على الكل .

البدايات[عدل | عدل المصدر]

تولع بالغناء منذ الصبا وراح يتابع بشغف مجالس الطرب في مدينة الحلة وحفلات الافراح وفي مستهل مرحلة الشباب بدأ يتنقل بين الحلة و طويريج ويتأثر بما يسمعه من كبار المطربين هناك امثال عبدالامير طويرجاوي فزادت خبرته وتوسعت مداركه في الغناء الفراتي بشكل خاص . في ستينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1964 بادر زيد الحلي وكان يعمل في الاذاعة العراقية باكتشاف صوت ريفي جديد اسمه سعد الحلي ، وحاول زيد بلباقته وحبه للوجوه الجديدة ان ينشر هذا الصوت على اوسع نطاق في الاذاعة والتلفزيون من خلال علاقاته الاعلامية والفنية ، وبالفعل فقد اصبح سعدي من اهم الاصوات الريفية في العراق منذ السبعينيات ، لحن الفنان الرائد محمد نوشي له ليلة ويوم وعشك اخضر وقد ذاع صيتهما داخل العراق وخارجه ، بحيث اختصر الطريق على الحلي فاصبح نجما في الاغنية الريفية لكن النفوس المريضة في الوسط الفني الداخلي والخارجي لم تتقبل المكانة التي وصل اليها الحلي لاسيما الفشل المزمن الذي تعرض له الكثيرون من منتسبي الغناء الريفي العراقي .

بدأوا باطلاق الشاعات والاتهامات غير الأخلاقية ضد فقيدنا الراحل ، واصبح كالنكتة المنتشرة في الاوساط الشعبية تغذيها اقلام مأجورة واناس يعتاشون على سلخ الجلود والكرامات ومع هذا فقد صمد الحلي بوجه تلك الحملة المستعرة ولكن الكارثة الاكثر حماقة التي تعرض لها الحلي يوم سرقت احدى الفنانات العراقيات واسمها غزلان اغنيته الخالدة ليلة ويوم وقامت بادئها في النوادي الليلية بل حولتها الى اغنية راقصة في المسرح الوطني ، يومها كان الحلي ينظر الى المشهد بخجل وهو لا يستطيع ان يقول شيئا ثم جاءت مرحلة المرض حين زاره مرض السكري الثقيل ومعه الغانغرين الذي اخذ منه ساقه الايمن ثم مالبث ان استدان الثانية فعجز الفنان عن الحركة بقرار طبي وكل هذا والمؤسسات الفنية تتفرج ولا تفعل شيئا حتى حينما مات ابنه الفنان خالد الحلي وبعد ذلك زوجته تركوه وحيدا مع المرض الى ان مات ، ثم ذكر خبرا هامشيا في اذاعة تقول بوفاة الفنان .

شعبية سعدي الحلي[عدل | عدل المصدر]

شعبية سعدي الحلي كانت تجري بعيداً عن الغناء وأصبحت صورته رائجة في دفاتر يوميات كل عراقي , وقد ترسخت بملامح مشتركة لدى الجميع مع إضافة ملامح لتركيبتها كي تكون صورة لشخصية مشبعة بخواص كاريكاتيرية لينة يمكن تطويعها بأبعاد سياسية و ترفيهية معاً ليروى عن لسانها وبشكل يومي العديد من المشاهد والتعليقات على أحداث وتطورات جارية في الساحة العراقية وكذلك عربياً ودولياً . هذا الانتحال لصورة شخصية سعدي الحلي, دليل ذكاء الذاكرة العراقية في خلقها وصياغتها على نحو ساخر نظراً لتكامل جاهزيتها الشعبية عند ذاكرة الناس اليومية لتأخذ دور جحا أو البهلول في إنسيابية تحركها وسهولة تخطيها لحواجز الأماكن والقصور واجتماعات رجال الحكم في بغداد مع التفاوت الواضح في دهاء صنّاع ما راج من مشاهد كوميدية بسخرية لاذعة , وهي تحاول إعادة تشكيل الحزن الى ضحكة مدوية تعبيراً عن الرفض الجماهيري لطغيان السلطة .

سعدي الحلي و قادسية صدام[عدل | عدل المصدر]

مما أنتجته الذاكرة العراقية من حكايات وقفشات حول شخصية سعدي الحلي الكاريكاتورية يبقى تعبير فطري لأجل إسترداد ما سلبت , لتجنح المخيلة حتى الى الجنس كأداة سهلة وسريعة التنبيه والوقع والطعن والإضرار بذات الحاكم . ولن يخفى إن بعض ما يتداوله الناس هو من تأليف قسم الدعاية والإشاعات في جهاز المخابرات العراقية أما لأجل التنفيس عن حالة الغليان أو لقياس مسارات حركة التداعي عند العراقيين . وأيام الحرب العراقية الايرانية أشيع حينها , بأن سعدي الحلي قد غنى :

  • دَنِك يا حِلو َلا يْلوحَكْ القَنّاصْ.
  • إمَكْ جابتَك وِإبْتِلَتْ بيك الناس
  • شِلَّكْ بِالقادِسـيَة ودوخَتْ الراس

وما زالت الذاكرة تحمل صورة دمار حرب الخليج الأولى وكذلك صورة سعدي الحلي حين تسابق أغلب المطربين لتصوير أغانيهم التعبوية الجانحة في غسل الذاكرة العراقية . أولئك المطربون من تزاحموا على إرتداء أزياء الحرس الجمهوري والطيارين وقادة الصنوف العسكرية الأخرى ليظهر سعدي الحلي وحده وهو يرتدي بدلة لرئيس عرفاء في أغنية لا تختلف عن ما ذكرناه .

سعدي الحلي في الثقافة العراقية[عدل | عدل المصدر]

وفاة سعدي الحلي شهادة صريحة على أرستقراطية الثقافة الرسمية وإيمانها بنقاة جوهرها وهي تعمل على إقصاء كل ما هو غير ثقافي في فهم قاصر للثقافة ومبالغتها في النظر إلى أنواع كتابية دون أخرى وانشغالها بأفكار ومقولات لم تؤتِ ثماراً معقولة على امتداد ما يتجاوز نصف قرن من الزمان . إن هيمنة ما تعيد تنظيم الصلة بين سعدي الحلي وبين مستمعيه من عراقيي الطبقة الدنيا خصوصاً في حفلاته الخاصة التي تشهد بعد تسجيلها إقبالاً شعبياً واسعاً ، فالكلمة غير المتحفظة واللحن غير الموزّع توزيعاً دقيقاً والفرقة الموسيقية شبه المرتجلة وهي تعاني من فجوات بسبب غياب بعض الآلات وحضور واضح لآلات أُخر تحاول سد النقص فتمنح الأغنية أثراً طاغياً .

آلة الكمان تحولت إلى فرقة موسيقية وحدها ودخلت هي الأخرى مجال الإعجاز ليُنقل عن عازفها ما يؤكد قدرته غير المحدودة على التعامل مع الآلة كل ذلك يُصبح من سمات المشهد الغنائي الشعبي ومزاياه التي لا تترك مسافة بين الأغنية والجمهور، فالجمهور حاضر في الأغنية متوحد معها داخل مشهدها بكل ما يصاحبها من فعاليات تعبيرية إنها بذلك تعمل على إطلاق معانيها الخاصة بوصفها جزءاً من ثقافة صراع تقحمه من أجل صناعة معانٍ اجتماعية تصب في مصلحة الثانوي ، ولكنها لا تحظى بتأييد أيدلوجيا المهيمن، والانتصار في هذا الصراع مهما كان ضئيلاً ومحدوداً فإنه ينتج متعة شعبية وهي بالأساس اجتماعية وسياسية.

مصادر[عدل | عدل المصدر]

  • د. لؤي حمزة عباس , سعدي الحلي في الثقافة الشعبية
  • ابراهيم جليل خليل , الاغنية لدى سعدي الحلي
  • جلال جـرمكا, الحلـة أرضهـا تنبـُت الشعراء والعلماء والطيب والكرم.
  • عبدالكريم هداد , سعدي الحلي لا يغني ..!